ما هو الميكرو بيوم micro biome

 

في عام 2001 قام عالم الهندسة الوراثية الأمريكي «جشوا ليدرلبيرج» الحاصل على جائزة نوبل من إصدار اول تعريف و هي مجموعة الميكروبات النافعة وغير الضارة والتي تقوم بوظائف مساعدة في جسم الإنسان و تعمل جميعًا على درجة عالية من التنسيق و في عام 2007 أطلق معهد الصحة الوطني بالولايات المتحدة مبادرة تعرف بمشروع الميكروبيوم البشري HMP ويضم هذا المشروع فريقًا بحثيًا ضخمًا تتركز مهامهم على التوسع أكثر فأكثر في الميكروبات التي تغطي، وتوجد في جسم الإنسان، ودراسة العلاقة الهامة بينها، وبين أجهزة الجسم المختلفة, ولا شك أن النتائج التي وصل إليها المشروع، والتي ذكرنا أهمها في هذا التقرير تعتبر في غاية الأهمية, ولكن يعول الفريق البحثي على الميكروبيوم الكثير من الآمال.

تتكون هذه المجموعات الميكروبية في جسم الطفل حديث الولادة من خلال التجمُّع البشري المحيط به و النسبة الأكبر من خلال اللبن الطبيعي الذي يحصل عليه من ثدي أمه وهذا يفسر انسجامها مع جسم الإنسان وتصالح الجهاز المناعي معها وعدم مهاجمتها كبقية الميكروبات الضارة.

أول اعتقاد يأتي في تفكير الإنسان عندما يسمع أو يقرأ كلمة «ميكروب» هو تلك الكائنات الضارة التي تسبب الكثير من الأمراض وهذا الاعتقاد صحيحٌ بعض الشيء ولكن هل تعلم أن الميكروبات الضارة تمثل فقط 15% من إجمالي الميكروبات التي تم اكتشافها وتسجيلها حتى الآن وأن نسبة الميكروبات النافعة تتجاوز حاجز 70% من إجمالي عدد الميكروبات المسجلة

هل تعلم أن جسم الإنسان يحتوي على 10 ترليون خلايا ميكروبات وهذا يساوي 10 أضعاف تعداد الخلايا البشرية مما يجعل نسبة التكوين 90% خلايا ميكروبية و10 % خلايا بشرية حيث يفوق عدد الميكروبات التي تعيش داخل جسم الإنسان الخلايا البشرية بعامل 1.3: 1 مع كتلة إجمالية تبلغ حوالي 1-3 ٪ من الجسم (بالنسبة لشخص يبلغ وزنه 60 كجم تمثل0.6 -1.8 كجم) و 99٪ من الجينات الموجودة داخل أجسامنا مستمدة من الميكروبيوم

الفوائد من الميكروبات في جسم الإنسان تأتي من المادَّة الوراثية أو الجينات هي المفاتيح لأية عملية حيوية يقوم بها الإنسان مثل عملية الهضم والنمو والتكاثر والإخراج والمناعة كلها تتحكم فيها الجينات وقد وجد العلماء أن كل «جين» من خلايا الإنسان يحيط بيه ما يقرب من 100 جين من خلايا الميكروبات فعلى سبيل التشبيه: لو افترضنا أن جين في خلية إنسان هو المدير، سنعتبر أن هناك 100 جين من الموظفين يقومون بمساعدة المدير على إتمام المهمة الحيوية من الوظائف المهمة التي تم اكتشافها حتى الآن :

أ-عملية الهضم

أثناء عملية الهضم يقوم جسم الجهاز الهضمي بتكسير المواد الغذائية المعقدة، وتحويلها إلى عناصر أو مركبات بسيطة يسهل استخدامها بواسطة الخلايا، ولكن خلايا الجهاز الهضمي لا تستطيع أن تقوم وحدها بهذه المهمة، بل تحتاج إلى مساعدة ميكروبية لإتمامها على أكمل وجه, فعلى سبيل المثال تعتبر الكربوهيدرات هي الوقود الحيوي الأول ومصدر الطاقة للإنسان؛ فبدونها قد يتوقف مثلًا المخ عن العمل, وبالاستناد إلى أن النباتات التي يتناولها الإنسان تحتوي على أكثر من ألف مركب معقد من الكربوهيدرات التي من الصعب تكسيرها بواسطة الجهاز الهضمي, فإن الميكروبات التي توجد في المعدة والأمعاء تقوم بإفراز حوالي 20 نوع من الإنزيمات الهاضمة التي تقوم بتكسير هذه الكربوهيدرات المعقدة, ونفس الأمر في حالة الدهون، فإن الميكروبات هي التي تقوم بتكسير الدهون إلى أحماض دهنية بسيطة، والتي تعتبر هامة جدًا لبناء الخلايا المبطنة للجهاز الهضمي, ولا يتوقف دور ميكروبات الجهاز الهضمي على التكسير، بل أيضا يقوم بعضها بإفراز مجموعة مختلفة من الفيتامينات.

ب-عملية المناعة والدفاع عن الجسم

الأعشاب الضارة لا تنمو على الأرض التي تُقام عليها المنازل، فشَغل المنازل للأرض الفضاء منع نمو تلك الأعشاب، وهذا ما تفعله الميكروبات في حماية الجلد فقد أثبتت الدراسات أن جسم الإنسان مُغطى كاملًا بالميكروبات النافعة مما يمنع الأخرى الضارة من النمو ولا تقف الأمور عند هذا الحد فهناك أدوار وقائية تلعبها الميكروبات في الدفاع عن الجسم، فبعضها يستحث الجهاز المناعي عند حدوث إصابة بأحد الميكروبات الضارة لكي يتأهب ويستعد للمقاومة والبعض الآخر يقوم بدور الجهاز المناعي في إفراز بعض المواد أو الأجسام المضادة التي تقوم بدورها بمحاربة وقتل الميكروبات المسببة للأمراض.

ج-التحكم في الانفعالات

يعتبر المخ هو المتحكم الأول في عملية الشعور والانفعال من خلال إرسال رسائل عصبية هي في الأصل مواد كيميائية يصدر عنها استجابة من بعض الخلايا، والتي تتحول في النهاية إلى شكل انفعال, وفي الآونة الأخيرة ثبت الأبحاث أن ميكروبات القناة الهضمية تقوم بإفراز مادة «الدوبامين» المادة التي يفرزها المخ؛ للتحكم في الحركة، ويتركز دورها الأكبر في إحساس الجسم بالراحة والأمان والسعادة، وبالإضافة لمادة الدوبامين، هناك مواد كيميائية أخرى، مثل «سيرتونين»، ومادة الـGABA ، الذي يؤدي اختفاؤهما إلى الإصابة بالاكتئاب الحاد ونوبات القلق الشديدة.

هناك الكثير من الأشياء اليومية التي يقوم بها الإنسان تضر بالميكروبات النافعة وبالتالي يضر نفسه إن استخدام المضادات الحيوية بدون إشارة من الطبيب لا تقضي فقط على الميكروب المضر بل تقتل في المقابل العديد من الميكروبات النافعة؛ مما يسبب خللًا في بعض الوظائف في الجسم، وظهور أعراض جانبية كثيرة، على سبيل المثال مادة الدوبامين تلك المادة المسئولة عن الإحساس بالسعادة والراحة والأمان، والتي يساعد في إفرازها ميكروبات القناة الهضمية, تلك المادة إن حدث فيها خلل قد تصاب بمرض الانفصام في الشخصية أو «الشيزوفرنيا» كما هو معروف و الأطعمة المصبوغة بصبغات صناعية تلعب دورًا خطيرًا في القضاء على مساحات كبيرة من المحتوى الميكروبي النافع لجسم الإنسان.

من المثير للاهتمام أن الميكروبيوم لدينا هو ما يجعلنا مميزين للغاية إذا قارنا كتالوج الجينات البشرية مع الميكروبيوم لدينا فإن تنوعنا الجيني البشري يتضاءل في الأمعاء وحدها تم الإبلاغ عن وجود 3.3 مليون جين مقارنة 22000 جين موجود في الجينوم البشري حيث ان الأفراد البشريون متطابقون بنسبة 99.9 ٪ فيما يتعلق بالجينوم الخاص بهم و الميكروبيوم لكل فرد يمكن أن يكون مختلفًا عن 80-90 ٪ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المنشورات الأحدث

قصيدة من مسيرة المهندس وليد حسان الأشوح، مبرزةً اهتماماته المتنوعة في مجالات التنمية المستدامة، البيئة، والبحث العلمي

وليد حسان الأشوح *قصيدة: "رجلٌ من نورٍ واستدامة"** على دربِ العِلْمِ والخيرِ يسيرُ، في كُلِّ خطوةٍ ينبضُ الضميرُ، شُعاعُ فكرٍ في...