اجمالي الناتج الأخضر لحضارة بيئية

 

تواجه البشرية تحديات خطيرة في العقود القادمة من تغير المناخ  وفقدان التنوع البيولوجي  وتزايد عدم المساواة  والمزيد و لا يمكن معالجة هذه الأزمات العالمية المنهجية بمعزل عن بعضها البعض لأنها كلها مترابطة  هناك اعتراف واسع النطاق بالحاجة إلى التحرك بما يتجاوز مقاييس الناتج المحلي الإجمالي بحيث ينتبه صانعو القرار أيضًا إلى المحددات والأبعاد البيئية والاجتماعية الهامة للرفاه حيث نما الاقتصاد العالمي أكثر من الضعف بين عام 1990 و 2015 و  في نفس الوقت مخزون العالم من أصول النظام البيئي (مثل الغابات ،الأراضي العشبية والأراضي الرطبة والتربة الخصبة والتنوع البيولوجي) والتدفقات من خدمات النظام البيئي التي يقدمها قد تزايد الضغط عليها مما ادي الي الضعف حيث زاد فقدان وتدهور أصول النظام الإيكولوجي مما ادي الي  قلق واسع النطاق بشأن مرونة واستدامة خدمات النظام البيئي وما يترتب على ذلك من تهديد للاقتصاد ورفاهية الإنسان كما ذكر تقرير المنتدي الاقتصادي العالمي في 2020 و 2021 .

نجد ان الاقتصاد يستخدم الناتج المحلي الإجمالي على نطاق واسع لقياس النظام الاقتصادي وبالنسبة لرفاه للمجتمع يستخدم العالم  مؤشر التنمية البشرية  لقياس التنمية الاجتماعية على أساس الصحة والتعليم ومستوى المعيشة منذ عام 1991 لكن عند النظر الي خدمات النظام الأيكولوجي العمود الفقري لتحقيق اقتصاد اخضر يدفع بعجلة الخطة  الاستراتيجية  للتنمية المستدامة  ليس لدي العالم حاليًا مؤشر مستخدم على نطاق واسع لقياس مدي النمو او التدهور في  خدمات النظام الأيكولوجي و التي قدرت بحوالي 120 الي 170 مليار دولار سنويا تساهم بنصف اجمالي الناتج العالمي .

التناقض بين النمو الاقتصادي والتدهور البيئي ملفت للنظر بشكل خاص في الصين خلال الربع القرن الماضي حيث توسع الاقتصاد بمقدار عشرة أضعاف  و يحتل الاقتصاد الصيني حاليًا المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة لما يقرب من 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ومع ذلك  فإن هذا النمو الاقتصادي رافق تدهور بيئي في العديد من مناطق الصين .

ذلك لأن أنظمتنا الاقتصادية ليست مناسبة بما يكفي لتحقيق توازن جيد بين الأهداف البيئية والاجتماعية  التي تحفز اقتصاداتنا الي الاستهلاك المفرط وتقوض الروابط المجتمعية  وتدمر الثروة الطبيعية لكن هذا ليس حتميا أو لا مفر منه و لحل هذه المشاكل  هناك حاجة إلى رؤية اقتصادية جديدة توفر الرخاء للجميع ضمن الحدود البيئية للكوكب

حيث بدأت الحكومة الصينية تحت شعار الحضارة البيئية بدمج الفوائد البيئية في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية  و وضع سياسة تعويض بيئي تعكس الطلب علي السوق وندرة الموارد  و تحسين نظام المساءلة البيئية ونظام الحماية والتعويض عن الأضرار البيئية بإنشاء نظام محاسبة رأس المال الطبيعي و ذلك في المؤتمر الوطني الثامن عشر والتاسع عشر أعلن الحزب الشيوعي عن حلم الصين التوفيق بين الناس والطبيعة لبناء الحضارة البيئية القرن ال 21

لذا طورت الصين  مقياس اجمالي ناتج النظام البيئي الشامل (GEP) هو القيمة الإجمالية النهائي لسلع وخدمات النظام الإيكولوجي المقدمة لرفاهية الإنسان في منطقة معينة سنويًا و تم تحديد أصول النظام البيئي (EA) هي الأصل الطبيعي الذي يوفر سلع وخدمات النظام البيئي و ذلك من اجل تقييم و وصف حالة النظام الإيكولوجي و تقييم مساهمة النظام البيئي في رفاهية الإنسان والتنمية الاجتماعية والاقتصادية و تقييم آثار جهود الحفظ و الكشف عن الروابط البيئية بين المناطق و الدعم البيئي .

حيث تم بتطبيقه بمقاطعة تشينغهاي  هي مصدر أنهار ميكونغ ويانغتسي والأصفر كان GEP أكبر من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2000 وثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015  وأدى الاستثمار على نطاق واسع في الاستعادة في التحسينات في تدفقات خدمات النظام البيئي المقاسة GEP الي نمو 127.5٪ حيث  تستخدم الصين برنامج GEP في مساعدة  صانع القرار في تقييم اداء السياسات و التخطيط للبنية التحتية و استخدامات الأراضي و التعويضات المالية عن تدهور خدمات النظام البيئي لتحقيق حفظ و استعادة وإدارة مستدامة  لخدمات النظام البيئي و تحقيق مبادئ الاقتصاد الأخضر  الخمس و هي

1. مبدأ الرفاهية

الاقتصاد الأخضر محوره الناس  والغرض منه هو خلق ازدهار حقيقي ومشترك.يركز على تنمية الثروة التي ستدعم الرفاهية هذه الثروة ليست مالية فحسب بل تشمل النطاق الكامل لرؤوس الأموال البشرية والاجتماعية والمادية والطبيعية و يعطي الأولوية للاستثمار والوصول إلى النظم الطبيعية المستدامة والبنية التحتية والمعرفة والتعليم اللازم لجميع الناس للازدهارو يوفر فرصًا لسبل العيش الخضراء واللائقة و مبني على العمل الجماعي من أجل المنافع العامة 

2. مبدأ العدالة

يعزز الاقتصاد الأخضر المساواة داخل الأجيال وفيما بينها و شامل وغير تمييزي ويدعم تمكين المرأة و يعزز التوزيع العادل للفرص والنتائج ويقلل من التفاوتات بين الناس مع توفير مساحة كافية للحياة البرية و البحرية ويخلق الثروة والمرونة التي تخدم مصالح مواطني المستقبل  مع العمل أيضًا بشكل عاجل لمعالجة الفقر متعدد الأبعاد وتعزيز الثقة والروابط الاجتماعية  ودعم حقوق الإنسان  وحقوق العمال والشعوب الأصلية والأقليات  والحق في التنمية المستدامة.

3. مبدأ حدود الكواكب

يحمي الاقتصاد الأخضر الطبيعة ويعيدها ويستثمرها و يقر الاقتصاد الأخضر ويغذي قيم الطبيعة المتنوعة و القيم الوظيفية لتوفير السلع والخدمات التي يقوم عليها الاقتصاد  والقيم الثقافية للطبيعة التي تدعم المجتمعات والقيم البيئية للطبيعة التي تقوم عليها الحياة نفسها و يقر بقابلية الاستبدال المحدودة لرأس المال الطبيعي مستخدم المبدأ الوقائي لتجنب فقدان رأس المال الطبيعي الحرج وخرق الحدود البيئية و يستثمر في مجال حماية واستعادة التنوع البيولوجي والتربة والماء والهواء والنظم الطبيعية و يعتمد علي الإبتكار في إدارة النظم الطبيعية  .

4. مبدأ الكفاءة والكفاية

الاقتصاد الأخضر موجه لدعم الاستهلاك والإنتاج المستدامين حيث يتسم بأنه منخفض الكربون ويحافظ على الموارد ودائري و يدرك أن هناك تحول عالمي كبير للحد من استهلاك الموارد الطبيعية إلى مستويات مستدامة ماديًا إذا أردنا البقاء ضمن حدود الكوكب ويوائم الأسعار والإعانات والحوافز مع التكاليف الحقيقية التي يتكبدها المجتمع  من خلال الآليات التي يدفع فيها "الملوث" أو حيث تعود الفوائد على أولئك الذين يقدمون نتائج خضراء شاملة.

5. مبدأ الحكم الرشيد

الاقتصاد الأخضر قائم على الأدلة وينشر العلوم والاقتصاد السليمين جنبًا إلى جنب مع المعرفة المحلية لاستراتيجية التكيف وهي مدعومة من قبل مؤسسات متكاملة ومتعاونة ومتماسكة أفقيًا عبر القطاعات وعموديًا عبر مستويات الحوكمة ولديها قدرة كافية للوفاء بأدوار كل منها بطرق فعالة وخاضعة للمساءلة فهو يتطلب مشاركة عامة وموافقة مسبقة مستنيرة وشفافية  وحوار اجتماعي ومساءلة ديمقراطية  والتحرر من المصالح المكتسبة في جميع المؤسسات العامة والخاصة والمجتمع المدني بحيث يتم استكمال القيادة المستنيرة بالطلب المجتمعي و يعزز عملية صنع القرار المفوض للاقتصادات المحلية وإدارة النظم الطبيعية مع الحفاظ على معايير وإجراءات وأنظمة امتثال مشتركة قوية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المنشورات الأحدث

قصيدة من مسيرة المهندس وليد حسان الأشوح، مبرزةً اهتماماته المتنوعة في مجالات التنمية المستدامة، البيئة، والبحث العلمي

وليد حسان الأشوح *قصيدة: "رجلٌ من نورٍ واستدامة"** على دربِ العِلْمِ والخيرِ يسيرُ، في كُلِّ خطوةٍ ينبضُ الضميرُ، شُعاعُ فكرٍ في...