السلام بين الطبيعة والإنسان

 

منذ إطلاق تقرير المخاطر العالمية عام 2006 وحتى 2010، احتلت المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية السياسية والتكنولوجية، المراتب الخمس الأولى، وفي 2011 وحتى 2018، بدأت المخاطر البيئية تظهر بين الخمس مراتب حتى 2019 التي احتلت فيها المراتب الثلاث الأولى، تغيرات المناخ – فشل إجراءات تغيرات المناخ – الكوارث الطبيعية، وفي 2020 احتلت المراتب الخمس الأولى المخاطر البيئية تغيرات المناخ – فشل العمل المناخي –الكوارث الطبيعية – فقدان التنوع البيولوجي – التلوث.

ماذا يعني خطر عالمي؟ هو حدث أو ظرف غير مؤكد، وإذا حدث يكون له تأثيرا سلبيا على عدد من البلدان والصناعات خلال 10 سنوات قادمة، ويتوقع 78% أن المخاطر ستزداد وتؤثر على الجوانب الأخرى على مدار العشر سنوات القادمة، لذا وضع تدريج لاحتمالية الحدوث من 1 إلى 5 حيث أن 1 يعني عدم الحدوث و5 تعني كارثة وأيضا نفس التدريج للتأثير.

ذكر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن عدد السكان في العالم 7.6 بليون نسمة، وهم يمثلون 01. % من الكائنات الحية على سطح الكوكب، مما تسبب في فقدان 83% من الثدييات ونصف النباتات بمعدل 5 مليون هكتار كل عام، أي من 200 إلى 2000 حالة انقراض في العام بأقل تقدير، ومن 10 آلاف إلى 100 ألف بأعلى تقدير ومليون نوع مهدد بالانقراض، 75% من الأراضي الزراعية استغلت للرعي الجائر المسؤول عن 14% من انبعاثات الغازات الدفيئة، خاصة الميثان، وانقراض 33% من الحيوانات وانقراض الشعاب المرجانية التي تمثل أقل من 1% من مساحة البحار ومأوي 25% من التنوع البيولوجي البحري، وتساهم 36 بليون دولار في الناتج العالمي كل عام وتحد من التيارات المائية والفيضانات وانقراضها سوف يؤدي إلى زيادة خسائر الفيضانات 4 بليون دولار سنويا، حيث قدرت الخسائر الاقتصادية الناتجة عن زيادة الكوارث الطبيعية في 2018 بحوالي 165 بليون دولار سنويا و80% من الأكسجين نحصل عليه من المسطحات المائية، ويسمى الاقتصاد المعتمد على المسطحات المائية وما بها من تنوع بيولوجي بالاقتصاد الأزرق وبإجمالي استثمارات 2.4 تريليون، وهو سابع اقتصاد على مستوى العالم و60% من الحياة البرية فقدت.

يرجع تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي هذا التدهور إلى تغيرات المناخ والنشاط الزراعي والصناعي الذي تسبب في فقدان 85% من الأراضي الرطبة و75% تغيير في استخدامات الأراضي و66% من المحيطات والتعدي على الطبيعة مثل الرعي والصيد والحرث الجائر والتلوث الذي قدر حجمه بما يكفي لتدمير أربع كواكب مثل كوكب الأرض، والتعدي على الموائل الطبيعية وعدم تحديد الأنواع الغازية التي وصلت إلى 40% وأدت إلى انقراض 25% من النباتات.

ويحذر من تأثير هذا التدهور علي السكان الأصليين الذين يمثلون 5% من جملة السكان ويعتمدون على صناعة 60% من العقاقير من الطبيعة وهم حماة الطبيعة لأنهم يحمون 80% من التنوع البيولوجي وأيضا على الاقتصاد، حيث تم تحليل 163 قطاعا من قطاعات الصناعة وسلاسل التوريد الخاصة بها، وجد أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي في العالم، أي ما يساوي 44 تريليون دولار يعتمد بشكل معتدل أو كبير أو خفي على الطبيعة وعلى خدماتها (23 خدمة)، ويعد التلقيح وجودة المياه ومكافحة الأمراض، ثلاثة أمثلة للخدمات، ومن تلك القطاعات التي تعتمد على الطبيعة بشكل كبير البناء (4 تريليونات دولار)، الزراعة (2.5 تريليون دولار) والأغذية والمشروبات (1.4 تريليون دولار) قيمتها مجتمعة هي تقريبا ضعف حجم الاقتصاد الألماني، تعتمد هذه الصناعات إما على الاستخراج المباشر للموارد من الغابات والمحيطات أو على توفير خدمات النظام البيئي مثل التربة الصحية والمياه النظيفة والتلقيح والمناخ المستقر بما أن الطبيعة تفقد قدرتها على تقديم مثل هذه الخدمات، فقد تتعطل هذه الصناعات بشكل كبير حيث تولد 15 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (13 تريليون دولار)  في حين أن الصناعات التي تعتمد بشكل معتدل تحقق 37 ٪ (31 تريليون دولار).

أما الصناعات التي لها “تبعيات خفية” مهمة على الطبيعة في سلسلة التوريد الخاصة بها وقد تكون أكثر عرضة لخطر الانقطاع أكثر من المتوقع، هناك ستة صناعات لديها أقل من 15٪ من إجمالي القيمة المضافة المباشرة التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الطبيعة، ومع ذلك فإن أكثر من 50٪ من سلاسل الإمداد الخاصة بها تعتمد على الطبيعة بدرجة كبيرة أو متوسطة مثل الصناعات الكيميائية والمواد الخام؛ الطيران والسفر والسياحة العقارات؛ التعدين والمعادن و50% من صناعة الأدوية تعتمد على خدمات الطبيعة.

يوصي المنتدى الاقتصادي العالمي بدمج المخاطر المتعلقة بالطبيعة في عمليات إدارة المخاطر المؤسسية الحالية والبيئية والاجتماعية والحوكمة واتخاذ القرارات المتعلقة بالاستثمار، وإعداد التقارير المالية وغير المالية، باستخدام إطار مماثل عبر المخاطر البيئية (تقارير الاستدامة)، يجب الاندماج بشكل أكثر كفاءة وفعالية في صنع القرارات التجارية وتحفيز الزخم بين القطاعين العام والخاص في عام 2020، مع التركيز على القمة الحاسمة لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي (COP15) في الصين (حضارة بيئية) وتعبئة الأعمال من أجل الطبيعة ذات الصلة، حيث أصدرت اتفاقية التنوع البيولوجي التابعة للأمم المتحدة مسودة صفرية لإطار التنوع البيولوجي لما بعد عام 2020، بهدف تمهيد السبيل إلى تحويل علاقة المجتمع بالتنوع البيولوجي والعيش في وئام مع الطبيعة بحلول عام 2050، لكن العلم يخبرنا أنه يجب علينا أن نبدأ هذا الانتقال العاجل الآن مع استمرار الاتجاه نحو مزيد من الشفافية والمساءلة، ومن المرجح أن ترتفع التكاليف بالنسبة للشركات التي لم تبدأ في إدراج الطبيعة في صلب عمليات المؤسسة، سيتم تجاهل الشركات التي تتجاهل هذا الاتجاه في حين ستستغل الشركات التي تبنت هذا التحول فرصًا جديدة وبذلك نحقق ربح متبادل للطبيعة والمناخ والناس والاقتصاد ما يسمى (3 win).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المنشورات الأحدث

قصيدة من مسيرة المهندس وليد حسان الأشوح، مبرزةً اهتماماته المتنوعة في مجالات التنمية المستدامة، البيئة، والبحث العلمي

وليد حسان الأشوح *قصيدة: "رجلٌ من نورٍ واستدامة"** على دربِ العِلْمِ والخيرِ يسيرُ، في كُلِّ خطوةٍ ينبضُ الضميرُ، شُعاعُ فكرٍ في...