التعليم البيئى لتنمية مستدامة في البلدان العربية

 

عن التربية البيئية في البلدان العربية، خلال مؤتمره السنوي الذي انعقد في بيروت حول المناهج البيئية في المدارس شملت جميع المراحل التعليمية والصفوف والمواد المختلفة وأظهرت النتائج الأولية أن الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي والتلوث دخلت المناهج في معظم البلدان، في حين بدأ الاهتمام يزداد بتغيُّر المناخ ومفاهيم جديدة مثل البصمة البيئية والاقتصاد الأخضر بوتيرة بطيئة .

أما على المستوى الجامعي فقد قام بتحليل 57 جامعة في جميع البلدان العربية حيث أظهرت النتائج الأولية تطوراً كبيراً في البرامج البيئية الجامعية، إلا أنها كشفت عن بطء في دمج أهداف التنمية المستدامة وبعض المفاهيم الجديدة، كما أظهرت ضعفاً في الدراسات العليا .

على رغم بدء الاستجابة العالمية للتربية البيئية منذ ستينات القرن الماضي فإن الدول العربية أهتمت بها في أوائل الثمانينات وبدأ إدخالها في المناهج ببطء خلال السنوات العشرين الأخيرة. وفي حين تم احراز تقدم كبير على صعيد إدخال "التربية من أجل التنمية المستدامة" في المنطقة العربية إلا أن نطاق نشاطات التنفيذ يختلف إلى حدّ كبير بين الدول.

اعتمدت منظمة اليونسكو تعريف التعليم البيئي و هو "عملية تعلُّم تهدف إلى زيادة معرفة الناس ووعيهم للبيئة والتحديات المرتبطة بها، وهي تُسهم في تطوير المهارات والخبرات اللازمة للمواجهة وتعزّز المواقف والدوافع والالتزامات لاتخاذ قرارات مستنيرة وإجراءات مسؤولة"

الجمع بين التعليم و التنمية المستدامة تم تقديمه من حيث تقاسم المعرفة وزيادة الوعي العام والابتكار كان هذا واضحًا في ثلاثة من أصل 27 مبدأ مدرج في إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية (1992) في الاستدامة و هم 10و 16 و 21 و حدد بأربعة أهداف للتعليم من أجل التنمية المستدامة هم تحسين الوصول إلى التعليم الأساسي الجيد و إعادة توجيه التعليم الحالي لمعالجة الاستدامة و زيادة الفهم والوعي العام بالاستدامة و توفير التدريب للربط بين التعليم البيئي و النواحي الإقتصادية و الإجتماعية لتحقيق التنمية المستدامة 

تناول التعليم بوضوح باعتباره مفتاحًا لـتنفيذ الاستدامة في الفصل 36 من جدول أعمال القرن 21 الذي صدر بعد إعلان مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية 1992 يمكن أن يساعد التعليم من أجل التنمية المستدامة جميع الأفراد في الوصول إلى المعرفة والقيم والمهارات التي يحتاجون إليها بدمجه في عملية تحسين جودة الحياة على الصعيدين المحلي والعالمي.

يهدف التعليم البيئي الي الوعي والحساسية تجاه البيئة والتحديات البيئية ومعرفة وفهم البيئة والتحديات البيئية و المواقف التي تهم البيئة بدافع لتحسين البيئة الصحة و مهارات تحديد وحل المشاكل البيئية التحديات و المشاركة في الأنشطة التي تساعد على حل تحديات بيئية.

تعاظمت مكانة التربية البيئية مع إقرار أهداف التنمية المستدامة عام 2015 ووضع خطة لتنفيذها مع حلول سنة 2030إعتبار البيئة حلقة متكاملة مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية كان وراء إطلاق مفهوم "التربية من أجل التنمية المستدامة". فعلى سبيل المثال دُمجت التربية من أجل التنمية المستدامة في الرعاية والتعليم المبكر في الكويت وسلطنة عُمان كما بدأت الكويت بدمج كامل للتربية من أجل التنمية المستدامة في برامج التعليم الحكومي وأظهر كل من لبنان والأردن ومصر وسلطنة عُمان تقدماً في هذا المجال بما في ذلك التدريب على دمج مواضيع التربية من أجل التنمية المستدامة في المناهج الدراسية والمواد الجامعية وتمويل المنح الدراسية والبرامج المتعلقة بها لكن المنطقة تبقى متأخرة عن بقية أنحاء العالم عندما يتعلق الأمر بالتنفيذ العملي للبرامج.

التربية البيئية في الجامعات تضع الجامعات في البلدان العربية بدور متزايد الأهمية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال برامجها الأكاديمية ونشاطاتها البحثية وقد صُنّف بعض الجامعات العربية في السنوات الأخيرة ضمن أفضل 500 جامعة على مستوى العالم لمساهماتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وبشكل إجمالي، تقدم 57 جامعة شملها التقرير 221 برنامجاً للشهادات الأكاديمية في المواضيع البيئية.

توزيع البرامج الأكاديمية إقليمياً ضمن المناطق الفرعية العربية الخمس عن وجود أكبر عدد من البرامج المتعلقة بالبيئة (55) في بلاد الشام (العراق، الأردن، لبنان، فلسطين، سورية)، يليها 42 برنامجاً في دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين، الكويت، عُمان، قطر، السعودية، الإمارات) و39 برنامجاً في شمال إفريقيا (الجزائر، ليبيا، موريتانيا، المغرب، تونس) و26 برنامجاً في وادي النيل (مصر، السودان) و3 برامج في القرن الإفريقي (جزر القمر، جيبوتي، الصومال.

تتوزّع البرامج المتعلقة بالبيئة في الجامعات العربية على مختلف التخصصات، بدءاً من الهندسة البيئية والصحة البيئية وإدارة موارد المياه وصولاً إلى التخصصات ذات الصلة بالسياسات مثل التربية البيئية والقانون البيئي والسياسة البيئية. لكن عدد الشهادات العلمية والتقنية يفوق بكثير تلك المتعلقة بالاقتصاد والتربية والسياسات وجاءت معظم الشهادات ضمن العلوم البيئية (34 شهادة)، تليها الهندسة البيئية (30 شهادة)، والموارد المائية (29 شهادة)، والطاقات المتجددة (19 شهادة.

على مستوى شهادة البكالوريوس، أظهر التقرير. 23 % فقط من برامج البكالوريوس تندرج تحت العلوم البيئية العامة لكن ربط هذه الاختصاصات بالسياسات البيئية ما زال ضعيفاً وتشارك الجامعات العربية في دعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال مجموعة متنوعة من برامج الدراسات العليا المتعلقة بالبيئة والتنمية، تقدّم معظمها جامعات في مصر ولبنان والأردن وسورية والإمارات و يمثّل الناتج البحثي للجامعات ومراكز البحوث العربية في العلوم البيئية نحو 7 %من مجمل الناتج البحثي العام.

على رغم الزيادة في البرامج المتعلقة بالبيئة والتنمية المستدامة في الجامعات العربية، إلا أن مزيداً من التعاون بين كليات ذات تخصصات متعددة في الجامعة نفسها، والجامعات المختلفة، يمكن أن يعزّز دورها في مواجهة التحديات البيئية. فعلى سبيل المثال، يمكن تبادل الطلاب وإطلاق برامج التعاون العلمي البيئي بين الجامعات ومؤسسات البحث. كما ان ثمة حاجة إلى التعاون بين الجامعات والقطاعات الأخرى، مثل الصناعة والأعمال، من أجل المساهمة بفاعلية في أهداف التنمية المستدامة.

التربية البيئية في المدارس بدأت البيئة تحتل موقعاً ثابتاً في مناهج المدارس في جميع أنحاء المنطقة العربية، مع نجاح متفاوت بين بلد وآخر في الكتب المدرسية والمناهج الدراسية استمر التركيز على التلوث والنفايات والمسائل ذات الأثر الصحي المباشر على الناس في حين أدى التخوّف من نضوب الموارد الطبيعية إلى إدخال مفاهيم جديدة مثل البصمة البيئية، ولكن على نطاق محدود.

المواضيع البيئية الأكثر شيوعاً في المدارس العربية هي النظم الإيكولوجية والتلوث والموارد الطبيعية. وفي حين أدرجت بعض البلدان موضوع التنمية المستدامة .

بقي تغيُّر المناخ غائباً، أو لم يناقش على نحو كافٍ، في 40 % من البلدان. أما الكوارث الطبيعية، التي تتأثر بالتغيُّرات في الظروف البيئية، وتؤثر في الوقت نفسه بشكل بالغ الأهمية على البيئة، فقد كانت غائبة عن المناهج في نصف البلدان، وضعيفة في النصف الآخر. وتمت تغطية المفاهيم البيئية على نحو أوسع في الصف الخامس، وهو الأخير في المستوى الابتدائي، والصف الحادي عشر، أي الصف ما قبل الأخير في المستوى الثانوي. وكان الصف السادس، أو السنة الأولى في المرحلة المتوسطة، الأضعف في هذا المجال.

المواضيع البيئية لم تعد تقتصر على كتب العلوم والجغرافيا والتربية المدنية، بل بدأت تصبح جزءاً من مواضيع أخرى، مثل اللغات والأدب والتاريخ والاقتصاد. وفي معظم الحالات، شملت المناهج جوانب من العمل الشخصي لحماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيزها، مثل إرشادات الكفاءة في استهلاك المياه والكهرباء، وإعادة التدوير وزراعة الأشجار. كما أن العمل الميداني ورحلات الطبيعة بدأت تدخل ببطء، إلى جانب تشجيع الطلاب على المشاركة في العمل المجتمعي من أجل الدفاع عن القضايا البيئية.

من الضروري تعزيز المحتوى البيئي للمناهج المدرسية، من حيث المفاهيم التي تغطيها، وكذلك في ما يتعلق بدقة المعلومات. ولا بد من مناقشة الجوانب البيئية في المناهج الدراسية في سياق أهداف التنمية المستدامة، بطريقة تربط البيئة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وإعطاء الأولوية للإدارة السليمة للموارد الطبيعية لتحقيق الاستدامة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إدخال مفهوم البصمة البيئية، إلى جانب خيارات النمو الأخضر، مع التركيز على أوضاع البلدان العربية. كما ينبغي تعزيز النشاطات اللامنهجية والعمل المجتمعي.

ومن المفيد أن نتذكّر أن هدف رعاية البيئة وإدارة الموارد كان الدافع الرئيسي إلى نشوء مفهوم التنمية المستدامة لذا يقترح التقرير إعداد مقرّر جامعي حول البيئة والاستدامة، يكون متاحاً لطلّاب السنة الأولى من جميع الاختصاصات ويجب تطوير برامج أكاديمية تجمع الكليات الجامعية المختلفة لمعالجة الترابط بين التحدّيات البيئية والاجتماعية والاقتصادية. ولا بدّ من إدخال القضايا المستجدة في صلب الدراسات الجامعية، مثل القانون البيئي في كليات الحقوق، والاقتصاد الأخضر والبصمة البيئية في كليات الاقتصاد. ومن المهم مساهمة الجامعات في إجراء دراسات حول كيفية إدخال الموارد الطبيعية في الموازنات والحسابات القومية، وجعل هذا الموضوع جزءاً في مناهج الإدارة العامة. كما يجب ربط البحث العلمي حول البيئة والاستدامة بقطاعات الصناعة والأعمال والمال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المنشورات الأحدث

قصيدة من مسيرة المهندس وليد حسان الأشوح، مبرزةً اهتماماته المتنوعة في مجالات التنمية المستدامة، البيئة، والبحث العلمي

وليد حسان الأشوح *قصيدة: "رجلٌ من نورٍ واستدامة"** على دربِ العِلْمِ والخيرِ يسيرُ، في كُلِّ خطوةٍ ينبضُ الضميرُ، شُعاعُ فكرٍ في...